الهزيمة الحقيقية: الهوية والذاكرة
سألني ابني البكر عن كيفية تراجع الدور المسيحي في لبنان وعما إذا كان ما يسمّى باتفاق الطائف هو المسؤول عن أفول شمس المارونية الثقافية وأعني ما أقول بالثقافية بدل السياسية وللموضوع تتمة؛
سألني ابني البكر عن كيفية تراجع الدور المسيحي في لبنان وعما إذا كان ما يسمّى باتفاق الطائف هو المسؤول عن أفول شمس المارونية الثقافية وأعني ما أقول بالثقافية بدل السياسية وللموضوع تتمة؛
كلّ مرّة نطرح فيها موضوع الشيخوخة وضماناتها في لبنان، نجد أنفسنا نكرّر الأفكار ذاتها التي تصبّ باتجاه مسؤولية الدولة في هذا المجال، وغياب أي خطة أو مشروع قابل للتنفيذ سعيًا لإنقاذ هذه الشريحة الواسعة من اللبنانيين التي لا تجد لها بابًا مطَمْئِنًا تدخل منه يحقّق لها أمنًا اجتماعيًا دائمًا.
يرفض الموارنة الحاليون الاعتراف بأنهم ورثة غير ناجحين لأسلافهم الموارنة الناجحين الذين أسّسوا لبنان الحديث.
وردني الاستدعاء إلى هذا المؤتمر بموجب ورقة جلب، أصدرها الصديق الرئيس الدكتور عمرو عدوي، قبل أن يهاتفني، لعلمه أنني مدين بالنشأة والوعي الأوّل، عاطفيًا وثقافيًا لماء النيل والحضارة المصرية، دورًا وتاريخًا، وإذاعة وكتابًا ومسرحًا ونزهة نفس، فلا حيلة لي إذًا إلّا الامتثال، والمثولُ وَجِلًا، لا من وعورة المحور، بل من مزاملة محاورين، سلخت عمري في الاستماع إليهم، والأخذ عنهم. ولكنَّ لي في رئاسة الجلسة ما يفيض لطفًا وأمانًا، ولي فيها أيضًا شرف مخاطبتكم وقد زُجِجْتُ في منصّة، كم حسدت من أرتقى إليها... فهل أنا حاسد نفسي في هذه الدقائق؟
لو أردنا أن نكتب عن كلّ ما يشغل بالنا يوميًا ويُقلق حياتنا بما يحيط فيها من قضايا اجتماعية، اقتصادية، سياسية وبيئية، مع الناس أو الأشياء، أو الحيوان الذي نأكل أو ندلِّل، لما كفانا مئات الصفحات في العمق الإلكتروني الموسوعي الذي يأخذنا من موضوعٍ إلى آخر ومن فكرةٍ إلى أخرى، هذا إذا شئنا الاسترسال في كلّ مسألة وقضية وعنوان فرعي بالمقارنة مع غيرنا في أنحاء العالم، أو بالمقارنة مع ماضينا الذي نعتقد أنه كان أفضل! أو بالمقارنة الشخصية في حياة كلّ فردٍ فينا.
عندما شغل المسيحيون منذ نشوء الجمهورية اللبنانية المناصب المهمّة في البلاد معزّزة بصلاحيات واسعة تخوّلهم القبض على السلطات السياسية والأمنية والاقتصادية، عاش لبنان ازدهاراً لافتاً على الرغم من افتقار هذا البلد إلى أي من الموارد الطبيعية والثروات المتأتية من باطن الأرض وأعماق البحار.
القلم المحترم، الدكتور داود الصايغ، أبرز للقراء نماذج من الكتابة السياسية التي غار منها الأدب، يوم رثى الشيخ بشارة الخوري رَفِيقَي الاستقلال الرئيسين عبد الحميد كرامي ورياض الصلح*. ولقد أراد، بأدبه الجم، تذكيرنا بما كان عليه الخطاب السياسي، من غير أن يجري المقارنة مع ما يتفشَّى اليوم من كلام، لا نستنكره فقط لبذاءته، بل نخشى منه كمؤشّر على تحلّل المجتمع، ونذير على تهالك النظام، لأن الشاشة التي تسمح بمثل هذا النوع من التهتك يجب أن تتحمّل المسؤولية الأدبية والقانونية حتى لا تكون نافذة تذكّرنا بتبادل الردح من خلال الشرفات، أثناء نشر الغسيل القذر...
تودّعك هذي الجماهير متألّبة حولك من كلّ أنحاء الجبل وأحياء المدينة من مختلف الطوائف والطبقات مندفعة لا مدفوعة محمولة على أجنحة الحب والوفاء، سائرة في سبيل التمسك بمبدئك وتنفيذ عقيدتك والاعتراف بفضلك، تسمعك نواح النوادب مبدعة ونغمات الموسيقى فاجئة فاجعة، لا تمشي وراء حي يُرزق ويَرزق بل أمام ميت يُحبّ ويحترم. على أنها تردد اصوات انتخابها وانتحابها لا لتمديد وتجديد بل لتأييد وتأبيد. وان من تخلّف عن الاشتراك معها فهو إما مقعد في الأسرّة أو متقاعد في السرايات.
بعد مضي قرابة قرن على كتابة دستورنا و75 سنة على استقلال لبنان ما زلتُ مقتنعاً أنَّ النّظام الجّمهوري الدّيموقراطي البرلماني الذي اعتمدناه منذ سنة 1926 والذي اعتُمد في فرنسا منذ سنة 1875 هو الأنسب للبنان
«سبحان من وهبك بغير حساب وادخرك لليوم العصيب وتقبّلك في اليوم العصيب شهيداً خالداً في جنات الخلود... تحدرت كماء المزن ما في نصابك كهام وحملت سيفاً ماضياً به من قراع الدارعين فلول».